فصل: ولاية علي بن الإخشيذ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 ولاية علي بن الإخشيذ

هوعلي بن الإخشيد محمد بن طغج بن جف الأميرأبو الحسن الفرغاني التركي ولي سلطنة مصر بعد موت أخيه أنوجور بن الإخشيذ محمد في يوم السبت عشرين ذي القعدة سنة تسع وأربعين وثلاثمائة أقامه خادمه كافور الإخشيذي الخصي في مملكة مصر باتفاق حواشي والده والجند وأقره الخليفة المطيع لله على ذلك وصار كافورالإخشيذي هو القائم بتدبير مملكته والمتصرف فيها كما كان أيام أخيه أنوجور وجمع له الخليفة جميع ما كان لأبيه وأخيه من أعمال الديار المصرية والممالك الشامية والثغور والحرمين الشريفين وأطلق كافور لعلي هذا في السنة ما كان يطلقه لأخيه أنوجور وهوفي كل سنة أربعمائة ألف دينار وقويت شوكة كافوربعد موت أنوجور وتولية علي هذا أعظم مما كانت أيام أنوجور ومولد علي‏.‏

المذكورأعني صاحب الترجمة لأربع بقين من صفر سنة ست وثلاثمائة وفى دام علي هذا في الملك وله الاسم فقط والمعنى لكافور إلى سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة ووقع بمصر الغلاء واضطربت أمور الديار المصرية والإسكندرية بسبب المغاربة أعوان الخلفاء الفاطميين الواردين إليها من المغرب وتزايد الغلاء وعز وجود القمح ‏,‏ ثم قدم القرمطي إلى الشام في سنة آثنتين وثلاثمائة ووقع لها بأمور وعجز المصريين عن دفعه عنها لشغلهم بالغلاء والمغاربة الفاطميين ومع هذا قل ماء النيل في هذه السنين فارتفعت الأسعار أكثر مما كانت عليه ووهنت ضياع مصر وقراها من عدم زيادة النيل وعظم الغلاء وكثرت الفتن وسار ملك النوبة إلى أسوان ووصل إلى إخميم وقتل ونهب وسبى وأحرق وعظم آضطراب أعمال الديارالمصرية قبليها وبحريها ثم فسد ما بين علي بن الإخشيذ صاحب مصر وبين مدبرمملكته ‏,‏ كافور الإخشيذي ومنع كافورالناس من الاجتماع به حتى اعتل علي المذكور بعلة أخيه أنوجورومات لإحدىعشرة خلت من المحرم سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وحمل إلى المقدس ودفن عند أبيه الإخشيذ وأخيه أنوجور وبقيت مصر من بعده أيامًا بغير أمير وكافور يدبر أمرها على عادته في أيام أولاد الإخشيذ ومعه أبو الفضل جعفر بن الفرات‏.‏

ثم ولي كافور إمرة مصر بآتفاق أعيان الديارالمصرية وجندها وكانت مدة سلطنة علي بن الإخشيذ المذكور على مصر خمس سنين وشهرين ويومين‏.‏

السنة الأولى من ولاية علي بن الإخشيذ وهي سنة خمسين وثلاثمائة‏:‏ أعني بذلك أنه ولي في ذي القعدة سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وقد ذكرناتلك السنة في أيام أخيه أنوجور فلذلك ذكرنا أن سنة خمسين وثلاثمائة أول السنين لعلي هذاعلى مصربهذا المقتضى‏.‏

فيها أعني سنة خمسين وثلاثمائة دخل غلام سيف الدولة بن حمدان إلى بلاد الروم وسبىألف نفس وغنم أموالًا كثيرة‏.‏

وفيها أخذ ملك الروم رومانوس بن قسطنطين من المسلمين جزيرة أقريطش من بلاد المغرب وكان الذي افتتح أقريطش عمربن شعيب غزاها وآفتتحها في حدود سنة ثلاثين ومائتين وصارت في يد أولاده إلى هذا الوقت‏.‏

وفيها شرع معزالدولة بن بويه في بناء دار هائلة عظيمة ببغداد وأخرب لأجلها دورا وقصورا وقلع أبواب الحديد التي كانت على أبواب مدينة المنصور وألزم الناس ببيع أملاكهم ليدخلها في البناء ونزل في الأساسات ستا وثلاثين ذراعا فلزمه من الغرامات عليها إلى أن مات ثلاثةعشرألف ألف درهم وصادر الدواوين وغيرها وجعل كلما حصل له شيء أخرجه في بنائها وقددرست هذه الدارمن قبل سنة ستمائة ولم يبق لها أثر وبقي مكانها دجلة تأوي إليها الوحوش وبقي شيء من الأساس يعتبر به من يراه قلت دار الظالم خراب ولو بعد حين‏.‏

وفيها قلد قضاء القضاة أبو العباس عبد الله بن الحسن بن أبي الشوارب وركب بالخلع من دار معز الدولة وبين يديه الدبادب والبوقات وفي خدمته الجيش وشرط على نفسه أن يحمل كل سنة إلى خزانة معز الدولة مائتي ألف درهم وكتب عليه بذلك سجلا فآنظر إلى هذه المصيبة وآمتنع المطيع من تقليده ومن دخوله عليه وأمرألا يمكن من الدخول عليه أبدًا‏.‏

وفيها أيضًا ضمن معز لدولة الحسبة والشرطة ببغداد‏.‏

وفيها في شعبان توفي بمصر متولي خراجها أبو بكر محمد بن علي بن مقاتل فوجدوا في داره ثلاثمائة ألف دينار مدفونة‏.‏

وفيها توفي الحسن بن القاسم الإمام أبو علي الطبري الشافعي الفقيه مصنف المحرر وهو أول وفيها توفي الأميرعبد الملك بن نوح الساماني صاحب بلاد خراسان وغيرها تقطربه فرسه فحمل ميتا ونصبوا مكانه أخاه منصور بن نوح الساماني وأرسل إليه الخليفة المطيع لله بالخلع والتقليد‏.‏

وفيها توفي محدث بغداد الحافظ أبوسهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان في شعبان كان إماما ورعا صواما قواما سمع الحديث وروى الكثير ومات وله إحدى وتسعون سنة‏.‏

وفيها توفي إسماعيل بن علي بن إسماعيل الشيخ أبو محمد الخطبي كان إماما عالما أخباريا محدثا كان يرتجل الخطب ويخطب بها‏.‏

وفيها توفي محمد بن أحمد بن يوسف أبو الطيب المقرىء ويعرف بغلام ابن شنبود وقد تقدم ذكرابن شنبود في محله كان إماما عارفا بالقراءات زاهدًا‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن عيسى ابن الخليفة أبي جعفر المنصور الخطيب أبو جعفر الهاشمي العباسي خطيب جامع المنصور وابن خطيبه كان عالي النسب من بني العباس كان في طبقة هارون الواثق في علو النسب‏.‏

وفيها توفي القاضي أبو السائب عتبة بن عبيد الله بن موسى الهمذاني مولده بهمذان في سنة أربع وستين ومائتين وكان أبوه تاجرًا ولي قضاء أذربيجان ثم قضاء همذان ثم آل به الأمر إلى أن تقلد قضاء القضاة وكان إماما عالمًا غلب عليه الزهد وسافر ولقي الجنيد في سفره وأخذ عنه ثم تفقه بجماعة من العلماء وكان عالما فاضلا‏.‏

وفيها توفي الأمير فاتك الإخشيذي المجنون أبو شجاع وكان أكبر مماليك الإخشيذ وولي إمرة دمشق وكان فارسًا شجاعًا كان رومي الجنس وكان رفيقا للأستاذ كافور الإخشيذي فلما صار كافور مدبر مملكة أولاد الإخشيذ وعظم أمره أنف فاتك هذا من المقام بمصر كيلا يكون كافور أعلى مرتبة منه فآنتقل من مصر إلى إقطاعه وهو بلاد الفيوم وكان كافور يخافه ويكرهه فلم يصح مزاج فاتك بالفيوم ومرض وعاد إلى مصر فمات بها وكان فاتك المذكور كريما جوادا ولما قدم المتنبي إلى مصر سمع بعظمة فاتك وتكرمه فلم يجسر أن يمدحه خوفا من كافور وكان فاتك يراسله بالسلام ويسأل عنه فآتفق اجتماعهما يوما بالصحراء وجرت بينهما مفاوضات فلما رجع فاتك إلى داره بعث إلى المتنبي هدية قيمتها ألف دينار ثم أتبعها بهدايا أخر فاستأذن المتنبي كافورا في مدحه فأذن له فمدحه بقصيدته التي أولها‏:‏ لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم تسعد الحال ويأتي شيء من ذكر فاتك أيضًا في ترجمة كافور إن شاء الله تعالى ولما مات فاتك رثاه المتنبي أيضًا‏.‏

وفيها توفي أبو وهب الزاهد أحد المشهورين بالأندلس قال أبوجعفرأحمدبن عون الله بن حديرسمعت أبا وهب يقول والله لاعانق الأبكار في جنات النعيم والناس في الحساب إلا من عانق الذل وضاجع الصبروخرج منها كما دخل فيها‏.‏

وفيها توفي الناصر لدين الله أبوالمطرف صاحب الأندلس الملقب بأميرالمؤمنين واسمه عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل المقدم ذكره ابن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الاموي المرواني ثم الأندلسي ولي الأمر بعد جده وكان ذلك من غرائب الوجود لأنه كان شابا وبالحضرة أكابر من أعمامه وأعمام أبيه وتقدم هووهوابن آثنتين وعشرين سنة فآستقام له الأمر وبنى مدينة الزهراء وقد ذكرنا أمر بنائها في محله ومات في هذه السنة وكانت مدة أيامه خمسين سنة وكان من أجل ملوك الأندلس‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعا مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعا سواء‏.‏

السنة الثانية من ولاية علي بن الإخشيذ فيها نقلت سنة خمسين وثلاثمائة إلى سنة إحدى وخمسين الخراجية وكتب بذلك عن المطيع كتاب في هذا المعنى فمنه أن السنة الشمسية خمسة وستون وثلأثماثة يوم وربع بالتقريب وأن السنة الهلالية أربعة وخمسون وثلاثمائة وكسر وما زالت الأمم السالفة تكبس زيادات السنين على آختلاف مذاهبها وفي كتاب الله تعالى شهادة بذلك قال الله تعالى ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وآزدادوا تسعا فكانت هذه الزيادة هي المشار إليها وأما الفرس فإنهم أجروا معاملاتهم على السنة المعتدلة التي شهورها اثنا عشر شهرًا وأيامها ستون وثلاثمائة يوم ولقبوا الشهور آثني عشر لقبا وسموا الأيام بأسامي وأفردوا الأيام الخمسة الزائدة وسموها المسترقة وكبسوا الربع في كل مائة وعشيرين سنة شهرا فلما انقرض ملكهم بطل ذلك‏.‏

وفيها دخل الدمستق ملك الروم عين زربى في مائة وستين ألفا وعين زربى في سفح جبل مطل عليها فصعد بعض جيشه الجبل ونزل هوعلى بابها وأخذوا في نقب السور فطلبوا الأمان فأمنهم وفتحوا له فدخلها وندم حيث أمنهم ونادى بأن يخرج جميع من في البلد إلى الجامع فلما أصبح بث رجاله وكانوا مائة ألف وكل من وجدوه في منزله قتلوه فقتلوا عالما لايحصى ثم فعل في البلد تلك الأفاعيل القبيحة‏.‏

وفيها عاد الدمستق إلى حلب فخرج إليه سيف الدولة بغيرآستعداد وحاربه فحاربه الدمستق بمائتي ألف مقاتل فانهزم سيف الدولة في نفر يسير وكانت داره بظاهر حلب فنزلها الدمستق وأخذ منهاثلاثمائة وتسعين بدرة دراهم وأخذ منها ألفا وأربعمائة بغل ومن السلاح مالا يحصى ثم نهبها الدمستق وأحرقها ثم أحرق بلاد حلب وقاتله أهل حلب من وراء السور فقتلوا جماعة من الروم فسقطت قائمة من السور على جماعة من أهل حلب فقتلتهم فأكب الروم على تلك الثلمة وقاتلوا حتى ملكوا حلب ووضعوا فيها السيف حتى كلوا وملوا وأخربوا الجامع وأحرقوا ما عجزوا عن حمله ولم ينج إلا من صعد القلعة فألح ابن أخت الملك في أخذ القلعة فقتل بحجر وكان عند الدمستق ألف ومائتا أسير من أهل حلب فضرب أعناقهم ثم عاد إلى الروم ولم يعرض لأهل القرى وقال لهم ازرعوا فهذا بلدنا وعن قليل نعود إليكم‏.‏

وفيها كتبت الشيعة ببغداد على أبواب المساجد لعنة معاوية رضي الله عنه ولعنة من غصب فاطمة رضي الله عنها حقها من فدك ولعنة من منع الحسن أن يدفن مع جده صلى الله عليه وسلم ثم محي في الليل فأراد معزالدولة إعادته فأشار عليه الوزير المهلبي أن يكتب مكان ما محي لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرحوا بلعنة معاوية رضي الله عنه فقط‏.‏

وفيها أسرت الروم أبا فراس بن سعيد بن حمدان من مدينة منبج وكان واليها‏.‏

وفيها توفي الوزير أبو محمد الحسن بن محمد بن هارون المهلبي أصله من بني المهلب بن أبي صفرة أقام في وزارة معز الدولة ثلاث عشرة سنة وكان فاضلا شاعرًا فصيحًا نبيلا سمحا جوادا ذا مروءة وكرم وعاش أربعا وستين سنة وآستوزر معز الدولة عوضه أبا الفضل العباس بن الحسن الشيرازي ثم صادر معز الدولة أولاد المهلبي من بعد موته‏.‏

وفيها توفي دعلج بن أحمد بن دعلج أبو محمد السجزي الفقيه العمل ولد سنة ستين ومائتين أوقبلها وسمع الكثير قال الحاكم أخذ عن ابن خزيمة المصنفات وكان يفتي بمذهبه وكان شيخ الحديث له صدقات جارية على أهل الحديث بمكة والعراق مات في جمادى الآخرة وله نيف وتسعون سنة‏.‏

وفيها توفي عبد الباقي بن قانع بن مرزوق بن واثق أبوالحسين الاموي مولاهم البغدادي الحافظ سمع الكثير وروى عنه الدارقطني وغيره وصنف معجم الصحابة ومات في شوال‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال وفيها توفي إبراهيم بن علي أبو إسحاق الهجيمي والحسن بن محمد الوزير أبو محمد المهلبي ودعلج بن أحمد السجزي وعبد الله بن جعفربن محمد بن الورد البغدادي بمصر وعبد الباقي بن نافع أبوالحسين في شوال وأبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد النقاش في شوال وله خمس وثمانون سنة وأبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني وأبو أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وإحدى عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وسبع أصابع‏.‏

M0لنة الثالثة من ولاية علي بن الإخشيذ وهي سنة آثنتين وخمسين وثلاثمائة‏:‏ فيها في يوم عاشوراء ألزم معز الدولة الناس بغلق الأسواق ومنع الطباخين من الطبخ ونصبوا القباب في الأسواق وعلقوا عليها المسوح وأخرجوا النساء منشورات الشعور يقمن المأتم على الحسين بن علي رضي الله عنه قلت وهذا أول يوم وقع فيه هذه العادة القبيحة الشيعية ببغداد وكان ذلك في صحيفة معز الدولة بن بويه ثم اقتدى به من جاء بعده من بني بويه وكل منهم رافضي خبيث نذكر ذلك كله فيما يأتي في الحوادث إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها أصاب سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان فالج في يده ورجله‏.‏

وفيها قال ثابت بن سنان أرسل بعض بطارقة الأرمن إلى ناصرالدولة الحسن بن حمدان رجلين ملتصقين عمرهما خمس وعشرون سنة ومعهما أبوهما والالتصاق كان في الجنب ولهما بطنان وسرتان ومعدتان وتختلف أوقات جوعهما وعطشهما وبولهما وكل واحد منهما مكمل الخلق وكان أحدهما يميل إلى النساء والاخر إلى المرد وقال القاضي علي بن الحسن التنوخي ومات أحدهما وبقي أياما وأنتن وأخوه حي فجمع ناصر الدولة الأطباء على أن يقدروا على فصلهما فلم يقدروا ومات الآخر من رائحة الميت بعد أيام‏.‏

وفيها قتل ملك الروم وصار الدمستق هوالملك واسمه تقفور‏.‏

وفيها توفيت خولة أخت سيف الدولة بن حمدان بحلب وهي التي رثاها المتنبي بقوله‏:‏ يا أخت خير يا بنت خير أب كناية بهما عن أشرف النسب وفيها آنتصرت الروم على الإسلام بكائنة حلب وضعف أمر سيف الدولة بعد تلك الملاحم الكبار التي طير فيها لب العدو ومزقهم ولله الأمر‏.‏

وفيها خرج أيضًا سيف الدولة غازيا فسار إلى حران وعطف على ملطية وقتل من الروم خلائق وملأ يده سبيا وغنائم ولله الحمد‏.‏

وفيها في شعبان ورد غزاة خراسان نحو ستمائة رجل إلى الموصل يريدون الجهاد نجدة لأهل الموصل‏.‏

وفيها عبرت الروم الفرات لقصد الجزيرة فتهيأ ناصرالدولة بن حمدان لقتالهم‏.‏

وفيها اجتمع أهل بغداد ووبخوا الخليفة المطيع لله بكائنة حلب وطلبوا منه أن يخرج بنفسه إلى الغزو ويأخذ بثأر أهل حلب وبينما هم في ذلك ورد الخبر بموت طاغية الروم وأن الخلف وقع بينهم فيمن يملكونه عليهم وأن أهل طرسوس غزوهم وانتصروا عليهم وعادوا بغنائم لم ير في دهر مثلها فآنتدب المسلمون لغزو الروم من كل جانب‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال وفيها توفي أحمد بن عبيد بن أحمد أبو بكر الحمصي الصفار وأبو الحسين أحمد بن محمود البيهقي وأبو بكر محمد بن محمد بن أحمد بن مالك الإسكافي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع سواء مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الرابعة من ولاية علي بن الإخشيذ وهي سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة‏:‏ فيها عمل يوم عاشوراء كعام أول من المأتم والنوح إلى الضحى فوقعت فتنة عظيمة بين أهل السنة والرافضة وجرح جماعة ونهب الناس‏.‏

وفيما نزل ملك الروم الدمستق المصيصة في جيش ضخم فأقام أسبوعا ونقب السور من أماكن وقاتله أهلها إلى أن رحل عنها بعد أن أهلك الضياع وكان رحيله لشدة الغلاء فإن القحط كان وفيها بعث القرامطة إلى سيف الدولة يستهدونه حديدا فسير إليهم شيئا كثيرا وحمل ذلك إليهم في الفرات ثم في البرية إلى هجر‏.‏

وفيها خرج معز الدولة بن بويه إلى الموصل لقتال ناصر الدولة بن حمدان فلحقه ذرب شديد سار ناصر الدولة أمامه إلى ميافارقين ثم عاد إلى الموصل وآقتتل مع أعوان معز الدولة فاستأمن إليه الديلم وأستأسر جميع الترك وأخذ حواصل معز الدولة وثقله فعاد معز الدولة يريد الموصل فوقع له مع ناصر الدولة فصول ثم اصطلحوا وعاد معز الدولة إلى بغداد خائبًا‏.‏

وفيها عمل سيف الدولة بن حمدان خيمة عظيمة ارتفاع عمودها خمسون ذراعًا‏.‏

وفيها ورد الخبر أن الروم يريدون أذنة و المصيصةفآستنجد أهل أذنة بأهل طرسوس فجاؤوهم بخمسة عشر ألفًا من فارس وراجل فآلتقوا واشتذ القتال وانهزم المشركون فركب المسلمون أقفية الروم واتبعوهم فخرج الروم كمين نحو أربعة آلاف مقاتل فتحيز المسلمون إلى تل هناك فقاتلوهم يومين ثم كثر عليهم جموع الروم فاستأصلوهم وحاصروا أهل المصيصة ونقبوا سورها من مواضع فقاتلهم المسلمون أشد قتال إلى أن ترحلوا عنها مخذولين‏.‏

وفيها ملك المسلمون حصن اليمانية وهوعلى ثلاثة فراسخ من آمد‏.‏

وفيها جاء عسكر من الروم وكادوا أن يملكوا حصنا من نواحي حلب فسار لحربهم عسكر سيف الدولة وقاتلوهم فلم يفلت من الروم أحد وقتل منهم خمسمائة نفر وتجرح المسلمون وخيولهم ثم جاء الخبر بنزول الروم أيضًا إلى المصيصة أوإلى طرسوس مع تقفور ملك الروم وأنهم في ثلاثمائة ألف وعاثوا وأفسدوا ثم ساروا لعظم القحط كما وقع لهم أولا فتبعهم أهل المصيصة وطرسوس فقتلوا وأسروا طائفة كثيرة من الروم‏.‏

وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن حمزة بن عمارة الحافظ أبوإسحاق ب حمزة الأصبهاني قال أبونعيم كان أوحد زمانه في الحفظ لم ير بعد عبد الله بن مظاهر في الحفظ مثله جمع الشيوخ والسند وتوفي في سابع رمضان وعمارة جدهم هوابن حمزة بن يساربن عبد الرحمن بن حفص وحفص هوأخو أبي مسلم الخراساني صاحب الدولة العباسية‏.‏

وفيها توفي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن الحافظ أبو علي البغدادي ثم المصرى البزاز ولد سنة أربع وتسعين ومائتين وسمع بمصر والشام والجزيرة والعراق وخراسان وما وراء النهر وكان كبير الشأن مكثرا متقنا مصنفا بعيد الصيت له تجارة في البرية ومات في المحرم وقد روى عنه صحيح البخاري عبد الله بن محمد بن أسد الجهمي وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرج وأبو جعفر بن عون الله‏.‏

وفيها توفي بندار بن الحسين محمد بن المهلب أبو الحسين الشيرازي كان يسكن بمدينة أرجان كان الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال وفيها توفي أبوإسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة الأصبهاني الحافظ في رمضان وأبوعيسى بكاربن أحمد بن بكاربن بنان المقرىء وأبو علي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن الحافظ بمصر وابن أبي الفوارس شجاع بن جعفر الوراق الواعظ في عشر والمائة وعبد الله بن الحسن بن بندار الأصبهاني وأبو محمد عبد الله بن محمد بن العباس الفاكهاني وأبو القاسم علي بن يعقوب الهمذاني بن أبي العقب في ذي الحجة عن اثنتين وتسعين سنة وأبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن خروف بمصر وأبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وخمس عشرة إصبعا مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعًا وأربع أصابع‏.‏

M0لنة الخامسة من ولاية علي بن الإخشيذ وهي سنة أربع وخمسين وثلاثمائة‏:‏ فيها عمل في يوم عاشوراء المأتم ببغداد كالسنة الماضية ولم يتحرك لهم السنية خوفا من معزالدولة بن بويه‏.‏

وفيها وثب غلمان سيف الدولة بن حمدان على غلامه نجا الكبير وضربوه بالسيوف وكان أكبر وفيها توفيت أخت معزالدولة بن بويه ببغداد فنزل الخليفة المطيع في طيارة إلى دار معزالدولة يعزيه فخرج إليه معزالدولة ولم يكلفه الصعود من الطيارة وقبل الأرض مرات ورجع الخليفة إلى داره‏.‏

وفيها حج الركب من بغداد‏.‏

وفيها بنى تقفور ملك الروم قيسارية قريبا من بلاد المسلمين وسكنها وكان الناس في هذه السنة الماضية في شغل بالغلاء والقحط بسائر بلاد حلب وديار بكر‏.‏

وفيها توفي أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد أبو الطيب المتنبي الجعفي الكوفي الشاعر المشهور حامل لواء الشعر في عصره ولد سنة ثلاث وثلاثمائة وكثر المقام بالبادية لاقتباس اللغة ونظر في فنون الأدب وتعاطى قول الشعر من صغره حتى بلغ فيه الغاية وفاق أهل زمانه ومدح الملوك وسار شعره في الدنيا ومدح سيف الدولة بن حمدان وكافور الإخشيذي وغيرهما وقال أبو القاسم التنوخي وقد كان خرج المتنبي إلى كلبا وأقام فيهم وادعى أنه علوي ثم ادعى بعد ذلك النبوة إلى أن شهد عليه بالكذب في الدعويين وحبس دهرًا وأشرف على القتل ثم آستتابوه وأطلقوه وقال وحدثني أبي إلى أن قال وكان المتنبي قرأ على البوادي كلاما ذكر أنه قرآن أنزل عليه نسخت منه سورة فصاحته وبقي أولها في حفظي وهو والنجم السيار والفلك الموار والليل والنهار إن الكافر لفي أخطار امض على سننك وآقف أثر من كان قبلك من المسلمين فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في الدين وضل عن السبيل قال‏:‏ وكان المتنبي ينكر ذلك ويجحده وقال له ابن خالويه النحوي يوما في مجلس سيف الدولة لولا أن الآخر جاهل لما رضي أن يدعى المتنبي لأن المتنبي معناه كاذب ومن رضي أن يدعى بالكاذب فهو جاهل‏.‏

فقال‏:‏ إني لم أرض أن أدعى به انتهى‏.‏

ومن شعر المتنبي وهوأشهر من أن يذكر قوله‏:‏ وما أنا بالباغي على الحب رشوة قبيح هوى يرجى عليه ثواب إذا نلت منك الود فالمال هين وكل الذي فوق التراب تراب ومن شعره وهو البيت الذي ذكروا أنه ادعى النبوة فيه‏:‏ ومن نكد الدنيا على الحرأن يرى عدوا له ما من صداقته بد ومن أشعره قصيدته التي أولها‏:‏ لك يا منازل في القلوب منازل ومنها‏:‏ جمح الزمان فلا لذيذ خالص مما يشوب ولا سرور كامل فإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني فاضل ومن شعر المتنبي قصيدته التي أولها‏:‏ أجاب دمعي وما الداعي سوى طلل دعا فلباه قبل الركب والإبل فمنها قوله‏:‏ والهجر أقتل لي مما أراقبه أنا الغريق فما خوفي من البلل ومنها‏:‏ لعل عتبك محمود عواقبه فربما صحت الأجسام بالعلل ويعجبني قوله من شعره‏:‏ خير أعضائنا الرؤوس ولكن فضلتها بقصدك الأقدام وما أحسن مطلع قصيدته‏:‏ إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم ومنها‏:‏ فطعم الموت في أمرحقير كطعم الموت في أمرعظيم ومنها‏:‏ وكل شجاعة في المرءتغني ولامثل الشجاعة في الحكيم ولكن تأخذ الأذهان منه على قدر القرائح والعلوم مات المتنبي قتيلًا بالنعمانية‏.‏

وفيها توفي محمد بن حبان بن أحمدبن حبان الحافظ العلامة أبوحاتم التميمي البستي صاحب التصانيف المشهورة كان عالما بالفقه والحديث والطب والنجوم وفنون من العلوم وألف المسند الصحيح و ‏"‏ التاريخ و ‏"‏ الضعفاء قال الحاكم كان من أوعية العلم في الفقه واللغة والحديث والوعظ‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدويه أبو بكر البزاز الشافعي المحدث ولد سنة ستين ومائتين وسكن بغداد وسمع الكثير وحدث روى عنه الدارقطني وجماعة‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال وفيها توفي أبوالطيب أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي المتنبي وله إحدى وخمسون سنة وأبوحاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي في شوال وأبو بكر محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم العطار المقرىء وأبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي البزاز في ذى الحجة وله خمس وتسعون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة الماء القديم ثلاث أذرع وخمس أصابع مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وخمس عشرة إصبعًا‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحابته وسلم ولاية كافور الإخشيذي الأستاذ أبو المسك كافور بن عبد الله الإخشيذي الخادم الأسود الخصي صاحب مصر والشام والثغور اشتراه سيده أبو بكر محمد الإخشيذ بثمانية عشر دينارًا من الزياتين وقيل‏:‏ من بعض رؤساء مصر ورباه وأعتقه ثم رقاه حتى جعله من كبار القواد لما رأى منه الحزم والعقل وحسن التدبير‏.‏

ولما مات الإخشيذ في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة أقام كافور هذا أبناءه واحدًا بعد واحد‏.‏

وكان الذي ولى أولًا أبا القاسم أنوجور بن الإخشيذ ومعنى أنوجور بالعربية محمود وقد تقدم ذلك كله‏.‏

فدام أنوجور في الملك إلى أن مات في يوم السبت لثمان خلون من ذي القعدة سنة تسع وأربعين وثلاثمائة‏.‏

ثم بعد موت أنوجور أقام أخاه أبا الحسن علي بن الإخشيذ كما تقدم ذكر ذلك كله في ترجمتهما‏.‏

وكان كافور هذا هو مدبر ملكهما‏.‏

ودخل كافور في أيام ولايتهما في ضمان البلاد مع الخليفة ووفى بما ضمنه‏.‏

ولما مات الإخشيذ اضطربت أحوال الديار المصرية فخرج كافور منها بابني الإخشيذ وتوجه بهما إلى الخليفة المطيع لله وأصلح أمرهما معه والتزم كافور للخليفة بأمر الديار المصرية ثم عاد كافور بهما إلى الديار المصرية‏.‏

وكان غلبون قد تغلب على مصر بعد موت الإخشيذ في غيبة كافور لما توجه إلى العراق فقدم كافور إلى مصر وتهيأ لحرب غلبون المذكور وحاربه وظفر به وقتله وأصلح أحوال الديار المصرية واستمر مدبرها إلى أن مات أنوجور وتولى أخوه علي ثم مات علي أيضًا في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة واستقل كافور بالأمر وخطب له على المنابر وتم أمره‏.‏

قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في تاريخ الإسلام‏:‏ كافور الإخشيذي الحبشي الأستاذ السلطان أبو المسك اشتراه الإخشيذ من بعض رؤساء مصر كان أسود بصاصًا‏.‏

ثم ساق الذهبي نحو ما حكيناه إلى أن قال‏:‏ تقدم عند الإخشيذ صاحب مصر لعقله ورأيه وسعده إلى أن صار من كبار القواد وجهزه الإخشيذ في جيش لحرب سيف الدولة بن حمدان‏.‏

ثم إنه لما مات أستاذه صار أتابك ولده أبي القاسم أنوجور وكان صبيًا فغلب كافور على الأمر وبقى الاسم لأبي القاسم والدست لكافور حتى قال وكيله‏:‏ خدمت كافورًا وراتبه في اليوم ثلاث عشرة جراية وتوفي وقد بلغت جرايته على يدي في كل يوم ثلاثة عشر ألف جراية‏.‏

قلت وهو أتابك وقال أبو المظفر في تاريخه مرآة الزمان‏:‏ كان كافور شجاعًا مقدامًا جوادًا يفضل على الفحول‏.‏

وقصده المتنبي ومدحه فأعطاه أموالًا كثيرة ثم فارقه إلى العراق‏.‏

وقال أبو الحسن بن آذن النحوي‏:‏ حضرت مع أبي مجلس كافور وهو غاص بالناس فقام رجل فدعا له وقال في دعائه‏:‏ أدام الله أيام مولانا بكسر الميم من أيام فأنكر كافور والحاضرون ذلك فقام رجل من أوساط الناس فقال‏:‏ لا غرو إن لحن الداعي لسيدنا أو غص من دهش بالريق أو بهر ومثل سيدنا حالت مهابته بين البليغ وبين القول بالحصر فإن يكن خفض الأيام من غلط في موضع النصب لا من قلة البصر فقد تفاءلت من هذا لسيدنا والفأل مأثورة عن سيد البشر بأن أيامه خفض بلا نصب وأن أوقاته صفو بلا كدر فعجب الحاضرون من ذلك وأمر له كافور بجائزة‏.‏

وقال أبو جعفر مسلم بن عبيد الله بن طاهر العلوي النسابة‏:‏ ما رأيت أكرم من كافور‏!‏ كنت أسايره يومًا وهو في موكب خفيف يريد التنزه وبين يديه عدة جنائب بمراكب ذهب وفضة وخلفه بغال المراكب فسقطت مقرعته من يده ولم يرها ركابيته فنزلت عن دابتي وأخذتها من الأرض ودفعتها إليه فقال‏:‏ أيها الشريف أعوذ بالله من بلوغ الغاية ما ظننت أن الزمان يبلغني حتى تفعل بي أنت هذا وكاد يبكي فقلت‏:‏ أنا صنيعة الأستاذ ووليه‏.‏

فلما بلغ باب داره ودعني فلما سرت التفت فإذا بالجنائب والبغال كلها خلفي فقلت‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ أمر الأستاذ أن يحمل مركبه كله إليك فأدخلته داري وكانت قيمته تزيد على خمسة عشر ألف دينار‏.‏

وراوي هذه الحكاية مسلم بن عبيد الله المذكور من صالحي الأشراف‏.‏

ووقع له حكاية غريبة نذكرها في ضمن هذه الترجمة ثم نعود إلى ما نحن فيه من ترجمة كافور وهي أنه كان لمسلم بن عبيد الله المذكور غلام قد رباه من أحسن الغلمان فرآه بعض القواد فبعث إليه ألف دينار مع رجل وقال له‏:‏ اشتر لي منه هذا الغلام قال الرجل‏:‏ فوافيته يعني الشريف مسلم بن عبيد الله في الحمام ورأيت الغلام عريانًا فرأيت منظرًا حسنًا فقلت في نفسي‏:‏ لا شك أن الشريف لا يفوته هذا الغلام وأديت الرسالة فقال الشريف‏:‏ ما دفع فيه هذا الثمن إلا وهو يريد أن يعصي الله فيه ارجع إليه بماله فلا أبيعه‏.‏

فعدت إليه وأخبرته ونمت تلك الليلة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فسلمت عليه فما رد علي وقال‏:‏ ظننت في ولدي مسلم الخنا مع الغلام‏.‏

امض إليه واسأله أن يجعلك في حل‏.‏

فلما طلع الفجر مضيت إليه وأخبرته وبكيت وقبلت يديه ورجليه وسألته أن يجعلني في حل فبكى وقال‏:‏ أنت في حل وأما كافور فإنه لما صار قبل سلطنته مدبر الممالك المصرية وعظم أمره أنف من ذلك خشداشه الأمير أبو شجاع فاتك الرومي الإخشيذي المقدم ذكره في سنة نيف وخمسين وثلاثمائة‏.‏

وكان فاتك يعرف بالمجنون وكان الإخشيذ قد اشترى فاتكًا هذا من أستاذه بالرملة كرهًا وأعتقه وحظي عند الإخشيذ وكان رفيقًا لكافور هذا وهو الأعظم مع طيش وخفة وحبورة وكان كافور عاقلًا سيوسًا فكان كلما تزايد أمر كافور وعظم يزيد جنون فاتك وحسده فلا يلتفت كافور إليه بل يدر عليه الإحسان ويراعيه إلى الغاية‏.‏

وكان الفيوم إقطاع فاتك المجنون فاستأذن فاتك كافورًا أن يتوجه إلى إقطاعه بالفيوم ويسكن هناك حتى لا يرى عظمة كافور فأذن له كافور في ذلك وودعه فخرج فاتك إلى الفيوم فلم يصح مزاجه بها لوخامتها فعاد بعد مدة مريضًا إلى مصر ليتداوى بها‏.‏

وكان المتنبي الشاعر بمصر قد مدح كافورًا بغرر القصائد فسمع المتنبي بكرم المجنون فأحب أن يمدحه ولم يجسر خوفًا من كافور‏.‏

وكان كافور يكره فاتكًا في الباطن ويخافه وصار فاتك يراسل المتنبي ويسأل عنه إلى أن اتفق اجتماعهما يومًا بالصحراء وجرت بينهما مفاوضات‏.‏

فلما رجع فاتك إلى داره بعث إلى المتنبي بهدية قيمتها ألف دينار ثم أتبعها بهدايا أخر‏.‏

فاستأذن المتنبي كافورًا في مدح فاتك فأذن له خوفًا من فاتك وفي النفس شيء من ذلك فمدحه لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم تسعد الحال إلى أن قال‏:‏ كفاتك ودخول الكاف منقصة كالشمس قلت وما للشمس أمثال فحقد كافور على المتنبي لذلك وفطن المتنبي بعدوانه فخرج من مصر هاربًا وكان هذا سببًا لهجو المتنبي كافورًا بعد أن كان مدحه بعدة مدائح على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

قال الذهبي‏:‏ وكان كافور يدني الشعراء ويجيزهم وكان تقرأ عنده في كل ليلة السير وأخبار الدولة الأموية والعباسية وله ندماء وكان عظيم الحرمة وله حجاب يمتنع عن الأمراء وله جوار مغنيات وله من الغلمان الروم والسود ما يتجاوز الوصف زاد ملكه على ملك مولاه الإخشيذ وكان كريمًا كثير الخلع والهبات خبيرًا بالسياسة فطنًا ذكيًا جيد العقل داهية كان يهادي المعز صاحب المغرب ويظهر ميله إليه وكذا يذعن بالطاعة لبني العباس ويداري ويخدع هؤلاء وهؤلاء وتم له الأمر‏.‏

وكان وزيره أبو الفضل جعفر بن الفرات راغبًا في الخير وأهله‏.‏

ولم يبلغ أحد من الخدام ما بلغ كافور وكان له نظر في العربية والأدب والعلم‏.‏

وممن كان في خدمته أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله النجيرمي النحوي صاحب الزجاج‏.‏

وقال إبراهيم بن إسماعيل إمام مسجد الزبير‏:‏ كان كافور شديد الساعد لا يكاد أحد يمد قوسه فإذا جاؤوه برام دعا بقوسه وقال‏:‏ ارم عليه فإن أظهر الرجل العجز ضحك وقدمه وأثبته وإن قوي على مدها واستهان بها عبس وسقطت منزلته من عنده‏.‏

ثم ذكر له حكايات تدل على أنه كان مغرى بالرمي‏.‏

قال‏:‏ وكان يداوم الجلوس غدوة وعشية لقضاء حوائج الناس وكان يتهجد ويمرغ وجهه ساجدًا ويقول‏:‏ اللهم لا تسلط علي مخلوقًا‏.‏

انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ونذكر حينئذ أحوال المتنبي معه وما مدحه به من القصائد‏.‏

لما فارق المتنبي سيف الدولة بن حمدان مغاضبًا له قصد كافورًا الإخشيذي ودخل مصر ومدحه بقصيدته التي منها‏:‏ قواصد كافور توارك غيره ومن ورد البحر استقل السواقيا فجاءت بنا إنسان عين زمانه وخفت بياضًا خلفها وماقيا وهو أول مديح قاله فيه وكان ذلك في جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وثلاثمائة‏.‏

وقال ابن خلكان‏:‏ وأنشده أيضًا في شوال سنة سبع وأربعين وثلاثمائة قصيدته البائية التي يقول فيها‏:‏ وأخلاق كافور إذا شئت مدحه وإن لم أشأ تملي علي فأكتب إذا ترك الإنسان أهلًا وراءه ويمم كافورًا فما يتغرب ومنها أيضًا‏:‏ وكل امرىء يولي الجميل محبب وكل مكان ينبت العز طيب وآخر شيء أنشده في شوال سنة تسع وأربعين وثلاثمائة ولم يلقه بعدها قصيدته البائية‏:‏ أرى لي بقربي منك عينًا قريرةً وإن كان قربًا بالبعاد يشاب وهل نافعي أن ترفع الحجب بيننا ودون الذي أملت منك حجاب أقل سلامي حب ما خف عنكم وأسكت كيما لا يكون جواب ومنها‏:‏ وما أنا بالباغي على الحب رشوة ضعيف هوىً يبغى عليه ثواب وما شئت ألا أن أدل عواذلي على أن رأيي في هواك صواب وأعلم قومًا خالفوني فشرقوا وغربت أنى قد ظفرت وخابوا ومنها‏:‏ وإن مديح الناس حق وباطل ومدحك حق ليس فيه كذاب إذا نلت منك الود فالمال هين وكل الذي فوق التراب تراب وما كنت لولا أنت إلا مهاجرًا له كل يوم بلدة وصحاب وأقام المتنبي بعد إنشاد هذه القصيدة سنة لا يلقى كافورًا غضبًا عليه لكنه يركب في خدمته خوفًا منه ولا يجتمع به واستعد للرحيل في الباطن وجهز جميع ما يحتاج إليه‏.‏

وقال في يوم عرفة سنة خمسين وثلاثمائة قبل مفارقته مصر بيوم واحد قصيدته الدالية التي هجا كافورًا فيها‏.‏

وفي آخر هذه القصيدة المذكورة يقول‏:‏ من علم الأسود المخصي مكرمة أقومه البيض أم آباؤه الصيد أم أذنه في يد النخاس دامية أم قدره وهو بالفلسين مردود ومنها‏:‏ وذاك أن الفحول البيض عاجزة عن الجميل فكيف الخصية السود وله فيه أهاجٍ كثيرة تضمنها ديوان شعره‏.‏

ورحل المتنبي من مصر إلى عضد الدولة بن بويه بشيراز‏.‏

وقال ابن زولاق‏:‏ أقام كافور الإخشيذي الأستاذ إحدى وعشرين سنة وشهرين وعشرين يومًا يعني أقام مدبر مملكة مصر من قبل ولدي أستاذه وهما أنوجور وعلي ابنا الإخشيذ محمد بن طغج وأقام هو فيها سنتين وأربعة أشهر وسبعة أيام ملكًا مستقلًا بنفسه‏.‏

قلت‏:‏ ونذكر ذلك محررًا بعد ذلك‏.‏

قال ابن زولاق‏:‏ وكان كافور دينًا كريمًا‏.‏

وسماطه على ما ذكره صاحب كنز الدرر في اليوم مائتا خروف كبار ومائة خروف رميس ومائتان وخمسون إوزة وخمسمائة دجاجة وألف طير من الحمام ومائة صحن حلوى كل صحن عشرة أرطال ومائتان وخمسون قرابة أقسما‏.‏

قال‏:‏ ولما توفي كافور أجتمع الأولياء وتعاقدوا وتعاهدوا ألا يختلفوا وكتبوا بذلك كتابًا ساعة توفي كافور وعقدوا الولاية لأحمد بن علي الإخشيذ وكان إذ ذاك صبيًا ابن إحدى عشرة سنة وكافور بعد في داره لم يدفن ودعي له على المنابر بمصر وأعمالها والشامات والحرمين ثم من بعده للحسن بن عبيد الله ابن طغج‏.‏

ثم عقد للحسن بن عبيد الله المذكور على بنت عمه فاطمة بنت الإخشيد بوكيل سيره من الشام وجعل التدبير بمصر فيما يتعلق بالأموال إلى الوزير أبي الفضل جعفر بن الفرات وما يتعلق بالرجال والعساكر لسمول الإخشيذي صاحب الحمام بمصر‏.‏

وكل ذلك كان في يوم الثلاثاء لعشر بقين من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثلاثمائة‏.‏

انتهى كلام ابن زولاق رضي الله عنه‏.‏

وأما وفاة كافور المذكور فإنه توفي بمصر في جمادى الأولى سنة ست وخمسين وثلاثمائة وقيل‏:‏ سنة سبع وخمسين وثلاثمائة وقيل‏:‏ سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة والأصح سنة سبع وخمسين وثلاثمائة قبل دخول القائد جوهر المعزي إلى مصر‏.‏

وقيل‏:‏ إنه لما دخل جوهر القائد إلى مصر خرج منها كافور هذا وليس بشيء والأول أصح‏.‏

وملك بعده أحمد بن علي بن الإخشيذ الآتي ذكره‏.‏

وعاش كافور بضعًا وستين سنة وكانت إمارته على مصر اثنتين وعشرين سنة منها استقلالًا بالملك سنتان وأربعة أشهر خطب له فيها على منابر مصر والشام والحجاز والثغور مثل طرسوس والمصيصة وغيرهما وحمل تابوته إلى القدس فدفن به وكتب على قبره‏:‏ ما بال قبرك يا كافور منفردًا بالصحصح الموت بعد العسكر اللجب يدوس قبرك آحاد الرجال وقد كانت أسود الشرى تخشاك في الكتب وقال الوليد بن بكر العمري‏:‏ وجدت على قبر كافور مكتوبًا‏:‏ انظر إلى عبر الأيام ما صنعت أفنت أناسًا بها كانوا وما فنيت دنياهم ضحكت أيام دولتهم حتى إذا فنيت ناخت لهم وبكت